قالت و هي تصافحني في لحظة وداع حزينة:لماذا لا نبقى أصدقاء مازلت عزيزاً على نفسي.. ولن أنسى أنني أحببتك وأنك ملكت قلبي الذي لم يفتح أبوابه لغيرك.. وكل شيء كما يقولون نصيب..وإذا كان القدر قد كتب علينا الفراق فلا أقل من أن يكون رحيماً بنا ويبقينا أصدقاء.. وسوف تكون صديقاً قريباً إلى قلبي.. قد ألجأ إليك في محنة أو ساعة ضيق...
قلت:أتمنى أن أكون لك صديقاً..فهناك أشياء كثيرة ربطت بيننا غير الحب.. كان بيننا حوار ممتع وجميل وإحساس دائم بالآخرين.. ورغبة شديدة في العطاء .. وكنت أجد نفسي دائماً فيك..
كل هذه الأشياء يمكن أن تكون طريقاً للصداقة.. و لكنني أشعر أن هذا ليس وقتها على الإطلاق.. من الصعب أن يكون الإنسان مالكاً لبيت..ثم أطلب منه أن يكون مستأجراً لغرفة فيه.. من الصعب أن يكون الإنسان هو كل شيء عند إنسان آخر ثم يصبح بين يوم وليلة واحداً من العشرات الذين قد نسأل عنهم حينما نريد ذلك...
إننا لم نفترق لان احدنا تنكر للآخر أو تخلى عنه.. و لكننا افترقنا و كلانا أحوج ما يكون للآخر.. فالناس يترك بعضهم بعض حينما تتقطع خيوط الود و تتكسر مشاعر الحب .. ولكننا نفترق بسبب الظروف..
لقد جمعنا الحب و فرقتنا ظروف الحياة.. فلم نجد مكاناً يحتوينا و يلم أشلاء مشاعرنا المبعثرة على الطرقات..
كانت الظروف أقوى منك ومني ..خمس سنوات كاملة و نحن نحاول أن نجمع المال الذي نشتري به عشاً و فشلنا.. و ضقت أنتِ من الانتظار و خاصة مع إلحاح اسرتك .. وضقت أنا من عجزي وخاصة مع ضعف إمكانياتي .. فلا أنا قادر على أن ادخر لك مالا أوفر به بيتاً.. و لا أنا قادر على أن أتخلى عنك..
إن عذابي أضعاف عذابك .. وحزني أكبر من كل أحزانك..
لهذا لا أستطيع أن أصبح صديقاً بعد أن كنت بالأمس حبيباً...
قالت: إنني لا أريد أن أخسرك تماماً.. أريد أن احتفظ بشيء ما منك.
قلت: في الحب لا نستطيع أن نبقى من الأشياء جزءاً.. انه الشيء الوحيد الذي لا يقبل المساومة و أنصاف الحلول.. فأما نحب أو لا نحب .. وليس في الحياة نصف حب..
نستطيع أن نقطع جزءاً من الشجرة و تعيش.. وحتى الإنسان يمكن أن يفقد شيئاً من جسده و يبقى.. و لكن الطائر لا يستطيع أن يطير بجناح واحد.. و كذلك الحب.. ليس هناك نصف حبيب أو قليل من الأشواق.. وليس هناك نصف وفاء.. أو جزء من الافتقاد.. ولا يمكن أن أكون وفياً نصف الوقت و في النصف الآخر أشاور نفسي في الخيانة..
و ربما بعد سنوات تلتئم جراحنا و ننسى .. يصبح ما بيننا بذرة صداقة جميلة نستعيد معها ذكريات أيامنا معاً.. أما الآن فأنا لا أستطيع أن أكون صديقاً لأن جراحي أكبر من تسامحي.. وحبي أكبر من غفراني.. و شوقي أكبر من عفتي .. و لهذا فان حبي سيكون أكبر بكثير من الصداقة التي ترغبين فيها..
قالت: و لكن بعض الناس قادرون على تحويل الحب إلى صداقة.. فلماذا لا نفعل ذلك ؟..
قلت : أنا أعرف ذلك .. و لكنني لست من هؤلاء .. أعرف صديقاً كان يحب امرأة و أصبحت الآن صديقته.. و كنت أراها تحكي له عن أخبارها و مغامراتها.. وكنت أشعر أحياناً وهما يتحاوران أن كليهما يمارس كذبة كبيرة على الآخر.. وأنا لا أحب الكذب في القول.. فكيف أمارس الكذب في المشاعر ؟..
قالت: أعطني فرصة كي أكون صديقة .. و بعد ذلك نقرر معاً إما نفترق تماماً أو نبقى أصدقاء.
قلت: أنا على استعداد أن أجرب مع أشياء جديدة و لكنني لا أمارس التجارب مع ذكرياتي.. لأنها عمري الذي لا استطيع أن أعيشه مرة أخرى..
قالت: الصداقة إحساس جميل..
قلت: ذكرياتي معك ستكون أجمل..سوف تتخلص الأشياء من كل الشوائب فيها .. و سوف تتجرد و تتلاشى و تصبح ظلالاً نراها من بعيد, و نعيش فيها و إن كانت ذكرى, و نراها و إن كانت أطياف زمان رحل..
إنني احترم الصداقة و قد تفوق في مشاعرها الحب.. ولكن بشرط أن نبدأ أصدقاء .. لأنه من الصعب أن نكون عشاقاً و تنتهي بنا الرحلة إلى شواطئ الصداقة.. من السهل أن تتحول الصداقة إلى حب.. لكن الصعب أن يتحول الحب إلى صداقة.. فالحب سلطان الأنانية..والصداقة واحة يلتقي فيها الجميع..
الصداقة شارع كبير يجمع الناس جميعاً, و الحب غرفة صغيرة تجمع أسرارنا..
قالت: دعنا نجرب أسبوعاً واحداً..
قلت: كانت سعادتي دائماً أن أفعل شيئاً ترغبين فيه..
و لكنني هذه المرة لا أريد لنفسي ذلك .. إن في أجندتي عشرات الأصدقاء..و لكن قلبي لا يعرف غير عنوان حبيب واحد .. و أنا لا أريد أن أغير العنوان..
و رحلت عنك بلا وداع
و طويت بين ضباب أيامي حكايات قديمة
أنشودة ذابت مع الأيام أو شكوى عقيمة
و تركت أيام الضياع
كانت تمزقني فلا أجد الصديق
وحدي هناك يشدني الجرح العميق
أواه يا قلبي أضعت العمر محترق الجراح
و أخذت تحلم كل يوم.. بالصباح
فتركت أيامي تضيع مع الرياض
يوما إلى الأحزان تأخذنا و آخر.. للجراح
* * *
و رحلت عنك بلا وداع
كم كنت أحلم يا رفيقي بالمساء
كم كنت أنسج قصة العشاق ترنو للقاء..
أو همسة تنساب في الأعماق تسري كالضياء..
أو رعشة الأيدي تعانقها الحنايا.. في السماء
أو موعدا أنسى به أحزاني..
أو بسمة تهتز في وجداني
أو دمعة عند الوداع ألومها
فغدا يكون لنا اللقاء الثاني..
* * *
و رأيت حبك في فؤادي يختنق
يهوى كما تهوى النجوم و يحترق
و رأيت أحلامي مع الشكوى.. تضيع
و شباب أيامي يذوب.. مع الصقيع
و لقد قضيت العمر أنتظر الربيع..
* * *
و رحلت عنك بلا وداع
و نسيت أحلاما تلاشت كالشعاع
حب قديم تاه منا في الضباب
أمل توارى في الليالي
أو تبعثر في التراب
عمر تبدد في العذاب
حتى الشباب
قد ضاع منا و انتهى عهد الشباب
أترى يفيد هنا العتاب؟!
أبدا ودعك من العتاب..
* * *
الآن أرحل عنك بالأمل الجريح
قد أستريح من الأسى قد أستريح
كم عشت أحلم يا رفيقي بالضياء..
و رأيت أحلامي تلاشت في الفضاء
فقتلت هذا الحب في أعماقي
و نسيت بعدك لوعة الأشواق
و غدوت أياما تفوح بسحرها
لتصير شعرا في رؤى العشاق..!