يبدو أن مستقبل العالم العربي في السنوات القادمة لن يكون وردياً، ولن يكون سعيداً، كما تتوهم وتوحي لنا معظم المصادر الإعلامية للأنظمة العربية الحاكمة. بل على العكس من ذلك. فالمستقبل العربي خلال السنوات العشر القادمة سيكون مظلماً وقاسياً. وتلك أخبار ما كنا نريد أن ننقلها للقراء خشية خيبة أملهم وخشية شعورهم بالإحباط والسقوط في البئر المهجورة. ولكن ذكرنا للحقيقة الآن، هدفه إمكانية دفع بعض الجهات الحكومية في الأنظمة العربية إلى تدارك ما يمكن تداركه من مهالك، رغم أن الحال سيبقى في معظم الأحيان على ما هو عليه لتأخر الحلول العلمية الموضوعية، ولصعوبة تطبيق هذه الحلول الآن، فيما لو وُجدت.
-2-
إن الموارد النفطية في دول الخليج العربي وفي العراق وليبيا والجزائر، توفر دخلاً سنوياً كبيراً لحكومات هذه البلدان. كما أن الدول الفقيرة كمصر والأردن وغيرهما تتمتع بمعونات مالية خارجية كبيرة. إلا أن هذه الأموال من الثروات الطبيعية أو من المعونات، لا تعكس رخاء وسعادة على المواطنين في هذه البلدان، نتيجة للأسباب التالية:
1- استقطاع نسبة كبيرة من العائدات البترولية لصالح العائلات الحاكمة.
2- استقطاع نسبة كبيرة من ميزانيات الدول لشراء الأسلحة وتخزينها، وزيادة عدد أفراد القوات المسلحة، والإنفاق السخي على الجيوش للاستفادة من عمولات شراء السلاح، التي تنبعث روائحها الكريهة في إعلام العواصم الغربية بين حين وآخر.
3- استقطاع نسبة كبيرة من ميزانيات الدول للأجهزة البوليسية القائمة على حماية الأنظمة العربية، ومطاردة المعارضة.
4- ضياع نسبة كبيرة من ميزانيات الدول على الزيادة الطارئة كل عام على عدد السكان، (القنابل السكانية المتفجرة) التي تلتهم ميزانيات التنمية بشكل كبير.
5-ضياع نسبة كبيرة من ميزانيات هذه الدول على المصروفات السرية الخاصة، حيث لا برلمانات عربية، ولا أجهزة رقابية حسابية شفافة تحاسب، وتراقب، مثل هذه الحسابات السرية.
-3-
إذن، فهناك مأساة كبيرة تنتظر العالم العربي خلال السنوات العشر القادمة ومن تداعيات هذه المأساة ما يلي:
1- تقول مجلة الإيكونوميست أن سكان العالم العربي، سوف يتضاعفون خلال الخمسة عشر عاماً القادمة وبحلول عام 2025. والقنبلة السكانية التي بدأت تنفجر منذ الآن في عدة بلدان كمصر وسوريا وقطاع غزة والمخيمات الفلسطينية في الشتات العربي، وفي منطقة الخليج والمغرب سوف تكون أشد تدميراً وقتلاً من القنبلتين النوويتين اللتين أُلقيتا على هيروشيما ونجازاكي في 6/8/1945، وقتلت وشوهت حوالي مليون شخص أو أقل أو أكثر. فالعالم العربي الآن، لا يستطيع إطعام مواطنيه خبزاً حافياً، وقد قامت بعض مظاهرات الجوع في مصر 1977 (انتفاضة الحرامية كما أطلق عليها السادات) ، وفي الجزائر عام 1988 ، وفي الأردن 1989، وفي اليمن 2006، وغيرها، فما بالنا عندما يصل عدد سكان العالم العربي إلى أكثر من نصف مليار (يقال أن تعداد العالم العربي الآن أكثر من 250 مليون شخص) والمصاعب الاقتصادية سوف تسبب في العالم العربي في أعمال الشغب في الشوارع. مع ملاحظة أن الفقراء ليسوا فقط هم الذين يعانون من الجوع، ولكن هناك عجز متزايد من الحكومات العربية من فشلها في تلبية التطلعات الحضرية للطبقات المتوسطة التي تدعم بقاء الأنظمة العربية على قيد الحياة السياسية. ويضاف على هذا كله قلة الموارد المائية التي تهدد الأرض العربية بمزيد من التصحر، وتزيد من التفاوت الكبير بين عدد السكان وبين توفر الموارد الطبيعية.
2- ذكر تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية العربية لعام 2009 ، أنه مطلوب في عام 2020 من العالم العربي توفير خمسين مليون فرصة عمل للشباب الذي سيتخرّج من الجامعات العربية. علماً بأن فرص العمل هذه – فيما لو توفرت – لن تكون ملائمة أو صالحة للخريجين من الطلبة العرب. فالجامعات الدينية العربية وخاصة في السعودية، تقذف كل عام آلاف الخريجين الذين لا عمل لهم غير تولّي الخطابة في المساجد، أو القيام بالدعوة الدينية، أو الإمامة في الصلاة. أما كليات العلوم الإنسانية فهي تقذف هي الأخرى آلاف الخريجين الذين لا يصلحون إلا للتدريس، ورغم ذلك فهم غير مؤهلين لهذه المهنة الصعبة والمهمة والدقيقة. وأما الكليات العلمية، فهي تُخرّج طلبة محشوة عقولهم بعلوم القرن التاسع عشر، فيما لو علمنا أن ميزانية الجامعات العربية فقيرة جداً، وخاصة تلك الميزانيات المخصصة للأبحاث، وأن مختبرات هذه الجامعات متخلفة، وغير مجهزة بأدوات العصر المخبرية الحديثة.
3- يقول تقرير مجلة الإيكونوميست، أن تضخُّم الجهاز الحكومي الآن ومستقبلاً، سيكون عبئاً مالياً إضافياً على ميزانيات الحكومات العربية. ويشير - مثالاً لا حصراً – على أن الجهاز الحكومي المصري المتضخم (7 ملايين موظف) علامة من علامات انهيار الدولة المصرية قريباً، ودون انتظار لعام 2020.
4- فشل العالم العربي في إقامة وحدات اقتصادية طيلة الثلاثين عاماً الماضية. ففي عام 1981 أُنشيء "مجلس التعاون الخليجي"، ولكنه وبعد ثلاثين عاماً فشل في إقامة وحدة اقتصادية فعالة. فالخلافات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان من جهة والسعودية من جهة أخرى واضحة. وبعد هذا التاريخ تم إنشاء "اتحاد المغرب العربي" في 1989، وفشل هذا الاتحاد في إقامة وحدة اقتصادية بين دول المغرب العربي. وفي العام نفسه أُنشيء "مجلس التعاون العربي" في بغداد، باشتراك العراق ومصر والأردن وشمال اليمن. وهذا كله في الوقت الذي استطاعت فيه أوروبا بعد أكثر من خمسين سنة (منذ 1957) إقامة وحدة اقتصادية متكاملة عام 2007 ، كما قامت بتوحيد العملة الأوروبية متمثلة باليورو.
5- وأخيراً يضاف على هذا كله الفساد السياسي الذي دعا "منظمة الشفافية الدولية" إلى إدراج معظم الدول العربية في قائمة الدول الأكثر فساداً سياسياً في العالم.
فهل هذه العناصر مجتمعة لا تُشكِّل خطراً على العالم العربي، ولا ترمي به في هاوية سحيقة؟
فأي مستقبل مظلم – للأسف الشديد – ينتظر هذه البقاع من العالم؟
تحياتىىىىىىىىى
المصرى