بعيداً عن المال ..الإسلام وضع صوراً أخرى لكفالة اليتيم
آيات كثيرة وأحاديث نبوية عديدة تحث المسلم على الإحسان إلى اليتيم وتجعل من كفالته قربة من أعظم القربات ونوعا عظيما من البر، فيقول الله تعالى " لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى" .
وبشر الرسول الله صلى الله عليه الكفلاء بأنه سيكونون رفقاؤه في جنة عرضها السموات والأرض حين قال : " أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين " وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا، و بشر النبي من أحسن إلى اليتيم ولو بمسح رأسه ابتغاء وجه الله بحسنات كثيرة حين قال: " من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين".
ولكن الكثير يخطئ في فهم كفالة اليتيم ويحسبون أنها تقتصر على الكفالة المالية فقط، لذا نجد كثيرا من المسلمين إذا ما دعوتهم لكفالة يتيم وحالهم ليس بالميسر يتساءلون ماذا يسيتطعيون أن يقدموا له وهم على هذه الحالة لذا حاولنا من خلال هذه السطور توضيح معني الكفالة وكيف تكون وصورها في الإسلام.
يقول الدكتور مبروك عطية أستاذ ورئيس قسم اللغويات بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر أن الكفالة في الإسلام تعني الرعاية وأن يقوم كافل بكل ما يلزم اليتيم من مأكل ومشرب وكساء ودواء وتربية وتعليم وكل ما من شأنه إصلاح حياته حتى لا يحتاج إلى شيء.
ويضيف عطية أنه على كل من يكفل اليتيم عليه أن يفعل معه مثلما يفعل مع ابنه وفي حالة إصابته بالعجز عليه أن يستعين بأحد غيره يقوم بمقامه وبما كان يفعله معه ولذا يمكن أن يكون لليتيم أكثر من كافل.
ويوضح أنه ليس بالضرورة أن يكون الكافل غنيا ولديه أموال لكنه من الممكن أن يكفله بالقيام بأعمال اليتيم وقضاء حوائجه، لذا فإن هناك نوعين من الكفلاء :
_كفيل بماله: وهو من يقوم بصرف أمواله على اليتيم إذا كان اليتيم الذي يكفله بائسا أو فقيرا أو لقيطا لا يعرف أهله
ـ كفيل بجهده: وهو من يقوم بإدارة أموال اليتيم الميسور بحسن استثمارها والإنفاق عليه من ريعها وليس من أصل المال ومتابعته حتى يكبر ويختبر في حسن إداراته لماله كما يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ولا يقتصر الحال هنا على ذلك فقط ولكن هناك أمور معنوية يجب أن تأخذ في الحسبان وهي الأمور المعنوية ، فلاشك أن اليتيم من أكثر الناس التي بحاجة إلى الحب والحنان الذي افتقدهما لغياب أحدي أبويه أو كلاهما .
ونبه إلى الحديث الشريف الذي ورد عن النبي الكريم " الكلمة الطيبة صدقة " وفي موضع أخر "لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق" بأنه إذا كان مستحب أن يكون بين المسلمين عامة فأنه من باب أولى أن يكون الأساس لنا في تعاملنا مع اليتيم .
ويرى الدكتور فرحات المنجي رئيس مدينة البعوث الإسلامية السابق وأحد علماء الأزهر الشريف، أنه عندما ذكر لفظ اليتيم في القرآن 24 مرة كان يدلل على عظم شأن كافل اليتيم في الإسلام ، ويوضح المنجي أن الكفالة تعني أمور كثيرة ولا تقتصر على الأمور المادية فحسب، فالكفالة تعني الحصن والملاذ والقيام بجميع شئون المكفول، فقبل الإسلام كانت الكفالة لها مسمى أخر وهو " الإجارة" بمعنى أن يقول الشخص "إن فلانا هذا قد أجرته" أي صار في حمايتي، وكانت تطلق أيضا على غير اليتيم، فالكافل هو شبيه الضامن.
وعندما جاء الإسلام وضع شروط للكفالة وهو أن يكون الكافل مسلما قادرا على إعاشة المكفول وألا يكون بيه خللا نفسيا أو عقليا .
ويرى المنجي أن هناك كفالة شرعية وكفالة غير شرعية :
الكفالة غير الشرعية : وهي أن ينسب الرجل اليتيم إليه ويلحقه بأسرته وهذا حرام لأن هناك أضرارا كثيرة مترتبة على هذا الأمر من خلط للأنساب وأمور الميراث .
كفالة شرعية : وهي أن يقوم الرجل أو المرأة بكفالة يتيم في مكانه ويتعهد بالإنفاق عليه والقيام بجميع متطلبات حياته من مأكل ومشرب وتعليم وغير ذلك.
ولفت المنجي الانتباه إلى أنه هناك يتيم في ظل وجود الأب والأم فعليا، إلا أنهم غائبين عن القيام بدورهم اتجاهه وهذا فهو يتيم حكما أن لم يكن فعلا.
ويوضح المنجي أنه ليس بالضرورة أن تكون الكفالة للأغنياء والميسورين فقط، فمن يشتاق للكفالة وهو غير مؤثر يمكنه أن ينفق من وقته في مساعدة اليتيم في مذاكرته أو تعليمه حرفة يرتزق منها أو يقوم على رعايته، فيمكن للإنسان أن يكفل يتيم بدون مال عن طريق القيام على شئونه والسعي على مصلحته.
//
وردة الأقصــى