كانت نشأة التنظيم الفلسطيني المورد الأول نتيجة لاتفاق مجموعات من الشباب الفلسطينيين الذين عاشوا النكبة في صباهم واكتسبوا بعض الخبرات التنظيمية في اتحاد ورابطات الطلبة الفلسطينيين أو في أحزاب قومية عربية وكلن بعضهم قد اكتسب خبرات عسكرية ترجع إلى العمل الفدائي في قطاع غزة سنة 1953م أو إلى المشاركة في صد العدوان الثلاثي على مصر عام 56 أو في معارك حزب التحرير الجزائرية ..
تم اللقاء الأول بين ممثلي هذه المجموعات في الكويت في تشرين أول عام 1958م فاتفقوا وتعاهدوا على العمل من أجل تحرير فلسطين وتجسيد هوية الشعب العربي الفلسطيني ووجوده وشخصيته المستقلة ، وكان هذه القاعدة التنظيمية الأولى لحركة فتح ، وكان لأعضائها امتدادات تنظيمية في مصر وغزة والضفة الغربية والأردن وسوريا ولبنان والسعودية والكويت وقطر ،وقد بدء التوسع في الاتصالات سرا ولم يكن هناك شروط لاكتساب العضوية في التنظيم سوى التوجه نحو فلسطين وعدم الالتزام بتنظيم آخر والنقاء الأمني والخلقي وعدم التبعية أو التأثر بأي نظام عربي آخر .
في الأشهر التالية للقاء الكويت نوقش اسم التنظيم واتفق على اختيار اسم " حركة تحرير فلسطين "ثم جرى فيما بعد اختصار الاسم في " حتف " بمعنى الموت ومن ثم عكسه ليصبح " فتح "ومن أجل التأكيد على وطنية التنظيم وضعت الوطني لكي يصبح اسم التنظيم " حركة التحرير الوطني الفلسطيني - فتح - ".
بدأ التنظيم بإصدار نشرة للأعضاء تحمل اسم ( فلسطيننا نداء الحياة ) في بيروت ما لبثت أن اتخذت شكل مجلة شهرية ومبادئ لتحرير فلسطين ولحركة فتح ، وصدر البلاغ العسكري رقم (1) لهذه الحركة ممهدا باسم العاصفة معلنا انطلاقة الثورة الفلسطينية مبتدئين بسلسلة من العمليات الفدائية كان أشهرها عملية تفجير نفق عيلبون الذي يتم من خلاله سحب مياه نهر الأردن لإيصالها إلى صحراء النقب لإنشاء المستوطنات هناك ليتم إسكان اليهود المهاجرين . حيث كان نص هذا البيان الأول لحركة فتح :-
بسم الله الرحمن الرحيم
حركة التحرير الوطني الفلسطيني
" فتــــــــح "
بلاغ عسكري رقم ( 1 )
صادر عن القيادة العامة لقوات العاصفة
اتكالا منا على الله ، وإيمانا منا بحق شعبنا في الكفاح لاسترداد وطنه المغتصب ، وإيمانا منا بواجب الجهاد المقدس .. وإيمانا منا بموقف العربي الثائر من المحيط إلى الخليج وإيمانا منا بمؤازرة أحرار وشرفاء العالم ..لذلك فقد تحركت أجنحة من القوات الضاربة في ليلة الجمعة 13/12/1964 م وقامت بتنفيذ العمليات المطلوبة منها كاملة ضمن الأرض المحتلة .. وعادت جميعها إلى معسكراتها سالمة ... وإننا لنحذر العدو من القيام بأية إجراءات ضد المدنيين الآمنين العرب أينما كانوا ... لان قواتنا سترد على الاعتداءات ممثلة .. وسنعتبر هذه الإجراءات من جرائم الحرب .. كما وأننا نحذر جميع الدول من التدخل لصالح العدو بأي شكل كان .. لان قواتنا سترد على هذا العمل بتعريض مصالح الدول للدمار أينما كانت ..
عاشت وحدة شعبنا وعاش نضاله لاستعادة كرامته ووطنه
القيادة العامة لقوات العاصفة
التاريخ 1/1/1965م
وكان تاريخ إصدار هذا البيان هو تاريخ بداية العمل العسكري و إعلان الانطلاقة المجيدة لحركة فتح وما قبل هذا التاريخ كانت قادة الحركة تسعى للعمل السياسي ومشاركتهم العرب حروبهم ومشاكلهم ضد أي عدوان خارجي عليهم .
وفي 14 كانون الثاني 1965 ن أعلن ناطق عسكري إسرائيلي أن مجموعة من المتسللين العرب قد اعتقلت بينما كانت متجهة لتدمير منشآت المياه في إسرائيل لمصلحة إرهابية سرية. وفي ذلك الوقت كان المشروع الإسرائيلي لتحويل مجرى نهر الأردن يثير جدلا كبيرا وكان الهدف الأول للعصافة الفتحاوية هو تخريب هذا المشروع ونجحت في ذلك بتفجير النفق ومنشآت المياه لإسرائيل فكانت حركة فتح القوة العربية الوحيدة التي بقيت ولا زالت تحارب إسرائيل ومنذ انطلاقة حركة فتح وبدأت الاتهامات العربية بتنظيم حملات إعلامية واسعة ضد حركة فتح متهمة الحركة العملاقة بالعمل لحساب الحلف المركزي بغية إعطاء إسرائيل ذريعة لمهاجمة البلدان العربية وتركزت الحملة الإعلامية على قيادة الحركة التي وصفت بأنها مجموعة من رجال الإخوان المسلمين لميول الحركة الديني والجهادي فبدأت الإعتقالات للقيادة الفتحاوية الفلسطينية في سوريا ولبنان و الأردن حيث قضى قائد الحركة و أحد مؤسسيها ( ياسر عرفات )51 يوما في سجن المزة بسوريا تحت التعذيب ، وكذلك تم تعذيب الكثير من المعتقلين الفلسطينيين في السجون العربية ليموت بعضهم في السجون العربية .
فقد قصفت المخيمات الفلسطينية من قبل الحكومات العربية بالمدافع الثقيلة والطائرات الحربية وكان حصيلة معركة أيلول الأسود أكثر من ثلاثة آلاف شهيد فلسطيني وآلاف أخرى من الجرحى الفلسطينيين وتم اغتيال الكثير من القادة الفتحاوية على يد الأنظمة العربية الفاسدة فقد تم إغتيال الشهيد البطل العميد سعد صايل عضو اللجنة المركزية لحركة فتح على يد المخابرات السورية كهدية في صباح يوم العيد من الحكومة السورية إلى الشعب الفلسطيني وإغتيال الشهيد البطل عضو اللجنة المركزية للحركة ممدوح صبري صيدم على يد المخابرات الأردنية والشهيد البطل عضو اللجنة المركزية للحركة أبو علي اياد الذي إغتالته المخابرات الأردنية والكثير من القادة الفتحاوية اللذين تم قتلهم على يد بعض الأنظمة لعربية المتعفنة وكل ذلك لإبعاد الفلسطينيين عن نقاط التماس مع الإسرائيليين وحرمهم من حقهم المشروع بالمقاومة واستعادة أراضيهم المسلوبة التي دنست نسماتها من الأعلام الإسرائيلية والنجس الصهيوني في فلسطين وخوفا من التهديدات الإسرائيلية .
كما أن رئيس الوزراء ليفي أشكول تحدث عن نشاط المقاومة في كلمة ألقاها في طبريا بتاريخ 19 كانون الثاني 1965م حث فيها الإسرائيليين على الاستعداد والتنبه من هذه المنظمة الفتحاوية الجديدة ، وبدت الحالة أشد خطورة عندما قال أشكول لرجال الهاغانا السابقين في خطاب ألقاه يوم 26 كانون الثاني 1965 ، بأنهم قد يدعون إلى الخدمة مجددا لحماية إسرائيل من عمليات العملاق الفتحاوي . ورغم كل التحذيرات الإعلامية تابعت حركة فتح عملياتها المؤلمة ، ففي الأول من آذار 1965 حذر أشكول الذي كان وزيرا للدفاع أيضا ، حذر البلدان العربية عموما والأردن خصوصا ، أن حكومته ستعتبرها مسؤولة عن أي نشاط لحركة فتح .
وفي ذلك الوقت تقدمت إسرائيل بعدة شكاوى إلى مجلس الأمن في الأمم المتحدة .. ولم يستطع أحدا إيقاف هبة العاصفة الفتحاوية فتوالت عملياتها العسكرية داخل الأراضي المحتلة وخارجها لضرب جميع مصالح العدو الصهيوني .
وبعد كل هذه الملاحقات العربية والصهيونية لضرب المقاومة الفتحاوية الفلسطينية بشتى الوسائل الإعلامية والحربية ، كان موقف الحركة بالرد على العدوان الصهيوني بأعنف عمليات عسكرية عرفتها المنطقة دون الرد على الأنظمة العربية سوى مدافعتهم عن أنفسهم وأرواحهم بالمخيمات الفلسطينية واغتيال الجواسيس المتعاونون مع الحكومة الصهيونية . ولكن وبعد هزيمة العرب في 67 كانت الولادة الثانية لحركة فتح فأكدت الحركة آنذاك على شن الحروب الشعبية والعسكرية المسلحة بكل القوى والوسائل الممكنة على الإحتلال فبدأت حركة فتح بتشكيل خلايا ومجموعات سرية على يد الرئيس ياسر عرفات ومن حوله من القادة بالتسلل إلى الأراضي الفلسطينية وإنشاء هذه المنظمات السرية تحت اسم حركة فتح للعمل النضالي داخل الأراضي المحتلة عام 67 وتوسيع وتقوية الحركة في الداخل والخارج في الدول العربية فخلال الشهر الأول من اقتناع القيادة العربية بحركة فتح وخيار المقاومة نفذت أكثر من 128 عملية فدائية مؤلمة في إسرائيل كردا على الهزيمة العربية وهذا ما أعلنه الحاقد موشي ديان أمام الكنيست الإسرائيلي وكان رد حركة فتح على القائلين أن الحركة تضرب العدو وتهرب إلى الأراضي العربية هو معركة الكرامة التي شاركت بها المقاومة الفلسطينية الفتحاوية الجيش الأردني لرد العدوان الإسرائيلي بمحاولة عبور نهر الأردن وإنزال المظلين في الحدود الأردنية بعد القصف العنيف المتبادل الذي حدث بالدبابات والطائرات للمواقع الأردنية الفلسطينية حيث كان دور المقاومة الفتحاوية دورا لا تنساه الدول العربية في صد العدوان الإسرائيلي عن المخيمات الفلسطينية وعن الأردن بمساعدة الجيش الأردني فبدأ جمال عبد الناصر يتسائل ما هي فتح وكيف استطاعت الصمود أمام هذا الجيش الإسرائيلي فأجابه ياسر عرفات بلقائه الأول له قائلا نطعم لحومنا لجنازير الدبابات ولا نركع فرد عليه جمال عبد الناصر قائلا إن حركة فتح هي أنبل ظاهرة عرفها التاريخ وكان حصار بيروت الذي استمر لعدة أشهر دون أن تجد المقاومة الفتحاوية ماء أو قوتا تأكله وتشربه وضغط الحكومات العربية على القادة الفتحاوية الفلسطينية بالهروب والانسحاب من بيروت فكان رد القيادة الفلسطينية الفتحاوية بعد أن استشاروا رمزهم ياسر عرفات وصلى صلاة الاستخارة ليقول لهم أعظم كلماته لقد هبت روائح الجنة فكرروها خلفه وقرروا الصمود في وجه العدوان الإسرائيلي وهناك الكثير من المعارك الصمودية غير العمليات العسكرية التي نفذتها حركة فتح داخل وخارج ما يسمى بإسرائيل .
جاء تكوين حركة فتح ردا على نكبة 48 وما تلاها من أحداث ولدت في النفوس شعورا بالمرارة من عدم قدرة الزعامات الفلسطينية التقليدية على التحرك في ظل تلك الظروف وشعورا بخطر ذوبان الطلائع في التنظيمات القطرية العربية التي انشغلت بمشكلاتها القطرية أكثر من انشغالها بقضية فلسطين وقد دفع إلى تشكيلها نجاح الكفاح المسلح الأول في قطاع غزة 53 _ 55م وصمود جماهير المدينة للعدوان الصهيوني عام 1955م وتعززت ثقة المجموعات التي شكلت فتح بانطلاقة الثورة الجزائرية وبهزيمة العدوان الثلاثي على مصر في حرب 1956م وبقيام الوحدة السورية و المصرية وبثورة العراق عام 1958م وازدهار النشاط القومي العام .
وبالمقابل كان للانتكاسات التي تعرض لها مسار النضال القومي واتساع رقعة الخلاف بين الأنظمة العربية في أوائل الستينات اثر في نفوس المجموعات التي شكلت تنظيم فتح إذ أكدت ضرورة التحرك فلسطينيا دون انتظار اتفاق الأنظمة العربية على خطة ما لتحرير فلسطين في وقت كان يسيطر فيه على الرأي العام العربي شعار يقول إن الوحدة هي طريق فلسطين ولذا يجب البدء بالنضال من أجل الوحدة وتأجيل العمل المباشر لتحرير فلسطين لكن الفتح قالت كلمتها بان النضال القطري أساس النضال القومي والطريق إلى الوحدة تمر عبر تحرير فلسطين وهي النظرة الوحيدة الصائبة التي جعلت الاحتلال الإسرائيلي يؤمن بوجود مقاومة حقيقية وعنيفة تردعه من الأراضي الفلسطينية حتى لا يكمل استيطانه على كل الأراضي الفلسطينية ويقوم بترحيل الفلسطينيين من أراضيهم المقدسة التي هي حقا لهم فكانت حركة فتح في ذلك الوقت لها الدور الأكبر والأهم في الوجود الفلسطيني العربي الحالي وحتى لا يطول انتظار الوحدة العربية وينسى اسم فلسطين فقد أعادت حركة فتح الحق لأهله ولشعبها الفلسطيني كلمته وقوته من خلال عملياتها الفدائية والعسكرية التي ضربت صفوف الكيان الصهيوني وسببت له حالات الصرع والخوف الذي نسي شيء اسمه مقاومة في تلك الأيام وكان أمله الوحيد في بناء دولته هو اختلاف وجمود العرب وانشغاله بمشاكله الداخلية التي هي من أصل صهيوني بحت فجاءت حركة فتح شوكة في حلوق الصهاينة تدعو كل مناضل شريف للمساهمة في تحرير فلسطين وتوحيد العرب تحت راية واحدة فوجدت إقبالا كبيرا جدا من داخل الأراضي الفلسطينية خاصة وباقي الأراضي العربية عامة فتلقت الدعومات المادية والعسكرية والمعنوية من بعض الدول العربية فمنذ أن انطلق الرصاص العيلبوني يخترق جدار الصمت والركوع العربي ويقرع أبواب الوطن بعنف رهيب بدأت صياغة التاريخ تكتب بأحرف من نور ونار وتلاقي الجمع الفتحاوي محاولا كسر دوائر الوصاية والتبعية والردة العربية ، فتسابق المتشدقون إطلاق أسهمهم يمينا ويسارا .. متهمين مولودنا الفتحاوي بالتبعية تارة وبالتوريط تارة أخرى ، ولكن هذا المولود لم يلتفت لكل ذلك معلنا انه اتكالا على الله بدأنا مشوار التحرير ، لتصبح بعد ذلك ساحات الوطن أجمع ميادين يركع لها التحرير ، وانطلاقنا غير آبهين بالملاحقة والحصار وكل ألوان التضييق والأسر والقتل .
فمولود الفتح .. لم يكن مغامرة غير محسوبة ولا تلبية فقط لنداء العاصفة .. بقدر ما كانت خطوات محسوبة النتائج .. تدلل على ابتسامة تيار الوعي من بين جموع الفلسطينيين ومخيمات الشتات .. انه من أجل فلسطين انطلقت فتح .. لتسلك النهج الثوري البناء بعيدا عن العاتقة والارتجال .. وبدأ الدم الفلسطيني يسري بغزارة في عروق الفتح وكانت ملحمة الكرامة أسطورة في تاريخ النضال الفلسطيني ، استطاع خلالها ثلاثمائة مقاتل أن يخوضون أشرس معركة بعد حرب حزيران ويجبروا قطعان الصهاينة على التراجع بعد أن الحق فيهم أفدح الخسائر ، وكانت الكرامة انطلاقة نوعية للعمل الفتحاوي أثبت بها المقاتل والقائد معا لا رجعة عن تحرير فلسطين وان مكان القائد الحقيقي هو ساحة المعركة وليس الأوامر .. واستمرت معركة النضال بكل أشكاله .. وبسطت الفتح نفوذها الشرعي المستمد من العمل النضالي وأخرجت منظمة التحرير الفلسطينية التي كان يرأسها احمد الشقيري من السيطرة والاحتواء العربي وأجبرت القيادات العربية على الاعتراف بذلك ليقول عنها جمال عبد الناصر .. إن فتح هي أنبل ظاهرة عرفها التاريخ حيث وصل حجم عمليات هذا العملاق الفتحاوي في السنوات الأولى من الانطلاقة اكثر من 250 عملية شهريا مما دفع الكيان الصهيوني أن يضعوا قادة الثورة الفلسطينية على قائمة المطاردة والتصفية واكتملت حلقة المؤامرة بإيعاز الملك حسين على أمل تصفية الوجود المسلح في الأردن .. وحدثت مجازر عجلون وجرش لتحرم الثورة من أكبر خط للمواجهة مع الأعداء ، واستمرت الفتح من خلال نقل القضية الفلسطينية بأبعادها إلى الساحة العالمية وذلك عبر تنفيذ عملية مطار ميونخ الفدائية وحتى كان الهدف منها إطلاق سراح معتقلينا البواسل وتم تكوين منظمة أيلول الأسود للرد على جرائم النظام الأردني بحق الشعب الفلسطيني .. وكان ردا عاصفا .. وتواصلت خطواتنا العسكرية والسياسية معا لنجد في تاريخ الفتح أنها نزعت اعتراف العرب بسرعة ، ليصل الصوت الفتحاوي إلى الأمم المتحدة ويعلن فارسنا مؤسس الحركة ياسر عرفات ( أبو عمار ) ... ها أنا جئتكم حامل غصن الزيتون بيد والبندقية باليد الأخرىفلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي .